فصل: استيلاء نجم الدين بن العادل على خلاط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


 وفاة طغتكين بن أيوب باليمن

وملك ابنه إسماعيل ثم سليمان بن تقي الدين شاهنشاه‏.‏ قد كان تقدم لنا أن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب سار إلى المدينة سنة ثمان وسبعين بعد وفاة أخيه شمس الدولة توران شاه واختلاف نوابه باليمن‏.‏ واستولى عليها ونزل زبيد وأقام بها إلى أن توفي في شوال سنة ثلاث وتسعين وكان سيء السيرة كثير الظلم للرعية جماعاً للأموال‏.‏ ولما استفحل بها أراد الاستيلاء على مكة فبعث الخليفة الناصر إلى أخيه صلاح الدين يمنعه من ذلك فمنعه‏.‏ ولما توفي ملك مكانه ابنه إسماعيل وبلغ المعز وكان أهوج فانتسب في بني أمية وادعى الخلافة وتلقب بالهادي ولبس الخضرة وبعث إليه عمه العادل بالملامة والتوبيخ فلم يقبل وأساء السيرة في رعيته وأهل دولته فوثبوا به وقتلوه‏.‏ وتولى ذلك سيف الدين سنقر مولى أبيه ونصب أخاه الناصر سنة ثمان وتسعين فأقام بأمره‏.‏ ثم هلك سنقر لأربع سنين من دولته وقام مكانه غازي بن جبريل من أمرائهم وتزوج أم الناصر‏.‏ ثم قتل الناصر مسموماً وثار العرب منه بغازي المذكور‏.‏ وبقي أهل اليمن فوضى واستولى على طغان وبلاد حضرموت محمد بن محمد الحميري واستبدت أم الناصر وملكت زبيد وبعثت في طلب أحد من بني أيوب تملكه على اليمن‏.‏ وكان للمظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه وقيل لابنه سعد الدين شاهنشاه ابن اسمه سليمان ترهب ولبس المسموح ولقيه بالموسم بعض غلمانها وجاءته فتزوجته وملكته اليمن والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 مسير العادل إلى الجزيرة وحصاره ماردين

كان نور الدين أرسلان شاه مسعود صاحب الموصل قد وقع بينه وبين قطب الدين محمد ابن عمه عماد الدين زنكي صاحب نصيبين والخابور والرقة وبين أبيه عماد بن قبله فتنة بسبب الحدود في تخوم أعمالهم‏.‏ فسار نور الدين إليه في عساكره وملك منه نصيبين‏.‏ ولحق قطب الدين بحران والرها إيالة العادل بن أيوب‏.‏ وبعث إليه بالصريخ وهو بدمشق وبذل له الأموال في أنجاده فسار العادل إلى حران وارتحل نور الدين من نصيبين إلى الموصل‏.‏ وسار قطب الدين إليها فملكها وسار العادل إلى ماردين في رمضان من السنة فحاصرها‏.‏ وكان صاحبها حسام الدين بولو أرسلان بن أبي الغازي بن ألبا بن تمرتاش أبي الغازي بن أرتق وهو صبي وكافله مولى النظام برتقش مولى أبيه والحكم له‏.‏ ودام حصاره عليها وملك الربض وقطع الميرة عنها‏.‏ ثم رحل عنها في العام القابل كما تقدم في أخبار دولة زنكي والله تعالى ينصر من يشاء من عباده‏.‏

 وفاة العزيز صاحب مصر

وولاية أخيه الأفضل ثم توفي العزيز عثمان بن صلاح الدين آخر محرم سنة خمس وتسعين وكان فخر الدين أياس جهاركس مولى أبيه مستبداً عليه فأرسل العادل بمكانه من حصار ماردين يستدعيه للملك‏.‏ وكان جهاركس هذا مقدم موالي صلاح الدين وكانوا منحرفين عن الأفضل‏.‏ وكان موالي صلاح الدين شيركوه والأكراد شيعة له‏.‏ وجمعهم جهاركس لينظر في الولاية وأشار بتولية ابن العزيز فقال له سيف الدين أيازكوش مقدم موالي شيركوه لا يصلح لذلك لصغره إلا أن يكفله أحد من ولد صلاح الدين‏.‏ لأن رياسة العساكر صنعة‏.‏ واتفقوا على الأفضل‏.‏ ثم مضوا إلى القاضي الفاضل فأشار بذلك أيضاً وأرسل أيازكوس يستدعيه من صرخد فسار آخر صفر من السنة‏.‏ ولقيه الخبر في طريقه بطاعة القدس له وخرج أمراء مصر فلقوه ببلبيس وأضافه أخوه المؤيد مسعود وفخر الدين جهاركس مدبر دولة العزيز فقدم أخاه وارتاب جهاركس واستأذنه في المسير ليصلح بين طائفتين من العرب اقتتلا فأذنه فسار فخر الدين إلى القدس وتملكه‏.‏ ولحقه جماعة من موالي صلاح الدين منهم قراجا الدكرمس وقرا سنقر‏.‏ وجاءهم ميمون القصري فقويت شوكتهم به واتفقوا على عصيان الأفضل‏.‏ وأرسلوا إلى الملك العادل يستدعونه فلم يعجل لإجابتهم لطمعه في أخذ ماردين وارتاب الأفضل بموالي صلاح الدين وهم شقيرة وانبك مطيش وألبكي‏.‏ ولحق جماعة منهم بأصحابهم بالقدس وأرسل الأفضل إليهم في العود على ما يختارونه فامتنعوا وأقام هو بالقاهرة وقرر دولته وقدم فيها سيف الدين أيازكوش والملك لابن أخيه العزيز عثمان وهو كافل له لصغره‏.‏ وانتظمت أمورهم على ذلك انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

 حصار الأفضل دمشق وعودته عنها

ولما انتظمت الأمور للأفضل بعث إليه الظاهر غازي صاحب حلب وابن عمه شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص يغريانه بملك دمشق لغيبة العادل عنها في حصار ماردين ويعدانه المظاهرة فسار من منتصف السنة ووصل إلى دمشق منتصف شعبان‏.‏ وسبقه العادل إليها وترك العساكر مع ابنه الكامل على ماردين ولما نزل الأفضل على دمشق وكان معه الأمير مجد الدين أخو عيسى الهكاري فداخل قوماً من الأجناد في دمشق في أن يفتحوا له باب السلامة‏.‏ ودخل منه هو والأفضل سراً وانتهوا إلى باب البريد ففطن عسكر العادل لقلتهم وانقطاع مددهم فتراجعوا وأخرجوهم‏.‏ ونزل الأفضل بميدان الحصار‏.‏ وضعف أمره واعصوصب الأكراد من عساكره فارتاب بهم الآخرون وانحازوا عنهم في المعسكر‏.‏ ووصل شيركوه صاحب حمص ثم الظاهر صاحب حلب آخر شعبان وأول رمضان لمظاهرة الأفضل‏.‏ وأرسل العادل إلى موالي صلاح الدين بالقدس فساروا إليه وقوي بهم ويئس الأفضل وأصحابه وخرج عساكر دمشق ليبيتوهم فوجدوهم حذرين فرجعوا‏.‏ وجاء الخبر إلى العادل بوصول ابنه محمد الكامل إلى حران فاستدعاه ووصل منتصف صفر سنة ست وتسعين فعند ذلك رحلت العساكر من دمشق وعاد كل منهم إلى بلاده انتهى والله أعلم‏.‏ أفراح الكامل عن ماردين قد كان تقدم لنا مسير العادل إلى ماردين وسار معه صاحب الموصل وغيره من ملوك الجزيرة وديار بكر وفي نفوسهم غصص من تغلب العادل على ماردين وغلبهم‏.‏ فلما عاد العادل إلى دمشق لمدافعة الأفضل وترك ابنه الكامل على حصار ماردين واجتمع ملوك الجزيرة وديار بكر على مدافعته عنها‏.‏ وسار نور الدين أرسلان شاه صاحب الموصل وابن عمه قطب الدين محمد بن زنكي صاحب سنجار وابن عمه قطب الدين محمد بن زنكي صاحب سنجار وابن عمه قطب الدين سنجار شاه بن غازي صاحب جزيرة ابن عمر واجتمعوا كلهم ببدليس حتى قضوا عيد الفطر وارتحلوا سادس شوال وقاربوا جبل ماردين‏.‏ وكان أهل ماردين قد اشتد عليهم الحصار وبعث النظام برتقش صاحبها إلى الكامل بتسليم القلعة على شروط اشترطها إلى أجل ضربه‏.‏ وأذن لهم الكامل في إدخال الأقوات في تلك المدة‏.‏ ثم جاءه الخبر بوصول صاحب الموصل ومن معه فنزل القائم للقائهم وترك عسكراً بالربض‏.‏ وبعث قطب الدين صاحب سنجار إلى الكامل ووعده بالإنهزام‏.‏ فلم يغن ولما التقى الفريقان حمل صاحب الموصل عليهم مستميتاً فانهزم الكامل وصعد إلى الربض فوجد أهل ماردين قد غلبوا عسكره الذين هنالك ونهبوا مخلفهم‏.‏ فارتحل الكامل منتصف شوال مجفلاً ولحق بميافارقين‏.‏ وانتهب أهل ماردين مخلفه‏.‏ ونزل صاحبها فلقي صاحب الموصل‏.‏ وعاد إلى قلعته‏.‏ وارتحل صاحب الموصل إلى رأس عين لقصد حلوان والرها وبلاد الجزيرة من بلاد العادل فلقيه هنالك رسول الظاهر صاحب حلب يطلبه في السكة والخطبة فارتاب لذلك وكان عازماً على نصرتهم فقعد عنهم وعاد إلى الموصل‏.‏ وأرسل إلى الأفضل والظاهر يعتذر بمرض طرقه وهما يومئذ على دمشق ووصل الكامل من ميافارقين إلى حران فاستدعاه أبوه من دمشق وسار إليه في العساكر فأفرج عنه الأفضل والظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

  استيلاء العادل على مصر

ولما رحل الأفضل والظاهر إلى بلادهم تجهز العادل إلى مصر وأغراه عوالمي صلاح الدين بذلك واستحلفوه على أن يكون ابن العزيز ملكاً وهو كافله‏.‏ وبلغت الأخبار بذلك إلى الأفضل وهو في بلبيس فسار منها ولقيهم فانهزم لسبع خلون من ربيع الآخر سنة ست وتسعين‏.‏ ودخل القاهرة ليلاً وحضر الصلاة على القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني توفي تلك الليلة‏.‏ وسار العادل لحصار القاهرة وتخاذل أصحاب الأفضل منه فأرسل إلى عمه في الصلح وتسليم الديار المصرية له على أن يعوضه دمشق أو بلاد الجزيرة وهي حران والرها وسروج فلم يجبه وعوضه ميافارقين وجبال نور وتحالفوا على ذلك‏.‏ وخرج الأفضل من القاهرة ثامن عشر ربيع واجتمع بالعادل وسار إلى بلده صرخد‏.‏ ودخل العادل القاهرة من يومه ولما وصل الأفضل صرخد بعث من يتسلم البلاد التي عوضه العادل وكان بها ابنه نجم الدين أيوب فامتنع من تسليم ميافارقين وسلم ما عداها‏.‏ وردد الأفضل رسله في ذلك إلى العادل فزعم أن ابنه عصاه فعلم الأفضل أنه أمره واستفحل العادل في مصر وقطع خطبة المنصور بن العزيز وخطب لنفسه واعترض الجند ومحصهم بالمحو والإثبات فاستوحشوا لذلك‏.‏ وبعث العادل فخر الدين جهاركس مقدم موالي صلاح الدين في عسكر إلى بانياس ليحاصرها ويملكها لنفسه ففصل من مصر للشام في جماعة الموالي الصلاحية‏.‏ وكان بها الأمير بشارة من أمراء الترك ارتاب العادل بطاعته فبعث العساكر إليه مع جهاركس والله تعالى أعلم‏.‏

 مسير الظاهر والأفضل إلى حصار دمشق

ولما قطع العادل خطبة المنصور بن العزيز بمصر استوحش الأمراء لذلك ولما كان منه في اعتراض الجند فراسلوا الظاهر بحلب والأفضل بصرخد أن يحاصرا دمشق فيسير إليهما الملك العادل فيتأخرون عنه بمصر ويقومون بدعوتهما‏.‏ ونمي الخبر إلى العادل وكتب به إليه الأمير عز الدين أسامة جاء من الحج ومر بصرخد فلقيه الأفضل ودعاه إلى أمرهم وأطلعه على ما عنده فكتب به إلى العادل وأرسل العادل إلى ابنه المعظم عيسى بدمشق يأمره بحصار الأفضل بصرخد‏.‏ وكتاب إلى جهاركس بمكانه من حصار بانياس وإلى ميمون القصري صاحب بانياس بالمسير معه إلى صرخد ففر منها الأفضل إلى أخيه الظاهر بحلب فوجده يتجهز لأنه بعث أميراً من أمرائه إلى العادل فرده من طريقه‏.‏ فسار إلى منبج فملكها ثم قلعة نجم كذلك وذلك سلخ وسار المعظم بقصد صرخد وانتهى إلى بصرى وبعث عن جهاركس والذين معه على بانياس فغالطوه ولم يجيبوه فعاد إلى دمشق‏.‏ وبعث إليهم الأمير أسامة يستحثهم فأغلظوا له في القول وتناوله البكاء منهم وثاروا به جميعاً فتذمم لميمون القصري منهم فأمنه وعاد إلى دمشق‏.‏ ثم ساروا إلى الظاهر حضر به صلاح الدين وأنزله من صرخد واستحثوا الظاهر والأفضل للوصول فتباطأ الظاهر عنهم وسار من منبج إلى حماة فحاصرها حتى صالحه صاحبها ناصر الدين محمد على ثلاثين ألف دينار صورية‏.‏ فارتحل عنها تاسع رمضان إلى حمص ومعه أخوه الأفضل ومنها إلى بعلبك وإلى دمشق‏.‏ ووافاه هنالك الموالي الصلاحية مع الظاهر خضر بن مولاهم‏.‏ وكان الوفاق بينهم إذا فتحوا دمشق أن تكون بيد الأفضل فإذا ملكوا مصر سار إليها وبقيت للظاهر‏.‏ وأقطع الأفضل صرخد لمولى أبيه زين الدين قراجا وأخرجا أهله منها إلى حمص عند شيركوه بن محمد بن شيركوه‏.‏ وكان العادل قد سار من مصر إلى الشام فانتهى إلى نابلس وبعث عسكراً إلى مشق ووصلوا قبل وصول هذه العساكر فلما وصلوها قاتلوها يوماً وثانية منتصف ذي القعدة وأشرفوا على أخذها فبعث الظاهر إلى الأفضل بأن دمشق تكون له فاعتذر بأن أهله في غير مستقر ولعلهم يأوون إلى دمشق في خلال ما يملك مصر فلج الظاهر في ذلك‏.‏ وكان الموالي الصلاحية مشتملين على الأفضل وشيعة له فخيرهم بين المقام والانصراف ولحق فخر الدين جهاركس وقراجا بدمشق فامتنعت عليهم وعادوا إلى تجديد الصلح مع العادل على أن يكون للظاهر منبج وأفامية وكفر طاب وبعض قرى المعرة والأفضل له سميساط وسروج ورأس عين وحملين فتم ذلك بينهم ورحلوا عن دمشق في محرم سنة ثمان وتسعين‏.‏ وسار الظاهر إلى حلب والأفضل إلى حمص فأقام بها عند أهله ووصل العادل إلى دمشق في تاسوعاء وجاءه الأفضل فلقيه بظاهر دمشق وعاد إلى بلاده فتسلمها‏.‏ وكان الظاهر والأفضل لما فصلا من منبج إلى دمشق بعثا إلى نور الدين صاحب الموصل أن يقصد بلاد العادل بالجزيرة وكانت بينه وبينهما وبين صاحب ماردين يمين واتفاق على العادل منذ ملك مصر مخافة أن يطرق أعمالهم فسار نور الدين عن الموصل في شعبان ومعه ابن عمه قطب الدين صاحب سنجار وعسكر ماردين ونزلوا رأس عين‏.‏ وكان بحران الفائز بن العادل في عسكر يحفظ أعمالهم بالجزيرة فبعث إلى نور الدين في الصلح ووصل الخبر بصلح العادل مع الشاه والأفضل فأجابهم نور الدين إلى الصلح واستحلفوا وبعث أرسلان من عنده إلى العادل فاستحلفوه أيضاً وصحت الحال والله تعالى ولي التوفيق‏.‏ حصار ماردين ثم الصلح بين العادل والأشرف ثم بعث الملك العادل ابنه الأشرف موسى في العساكر لحصار ماردين فسار إليها ومعه عساكر الموصل وسنجار ونزلوا بالحريم تحت ماردين‏.‏ وسار عسكر من قلعة البازغية من أعمال ماردين لقطع الميرة عن عسكر الأشرف فلقيهم جماعة من عسكر الأشرف وهزموهم‏.‏ وأفسد التركمان السابلة في تلك النواحي وامتنع على الأشرف قصده فتوسط الظاهر غازي في الإصلاح بينهم على أن يحمل صاحب ماردين للعادل مائة وخمسين ألف دينار والدينار أحد عشر قيراطاً من الأميري ويخطب له ببلاده ويضرب السكة باسمه وتعسكر طائفة من جنده متى دعاهم لذلك فأجاب العادل وتم الصلح بينهما ورحل الأشرف عن ماردين والله أعلم‏.‏ أخذ البلاد من يد الأفضل قد كان تقدم أن الظاهر والأفضل لما صالحا العادل سنة سبع وتسعين أخذ الأفضل سميساط وسروج ورأس عين وحملين وكانت بيده معها قلعة نجم التي ملكها الظاهر بين يدي الحصار قبل الصلح ثم استرد العادل البلاد من يد الأفضل سنة تسع وتسعين وأبقى له سميساط وقلعة نجم فطلب الظاهر قلعة نجم على أن يشفع له عند العادل في رد ما أخذ منه فلم يجب فتهدده‏.‏ ولم تزل الرسل تتردد بينهما حتى سلمها إليه في شعبان من السنة وبعث الأفضل أمه إلى العادل في رد سروج ورأس عين عليهم فلم يشفعها فبعث الأفضل إلى ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان صاحب بلاد الروم بطاعته وأن يخطب له فبعث إليه بالخلعة وخطب له الأفضل في سميساط سنة ستمائة‏.‏ وسار من جملة نوابه في أعماله‏.‏ وفي سنة تسع وتسعين هذه خاف على مصر محمود بن العزيز صاحب مصر بعث العساكر إلى الرها لأنه لما قطع خطبته من مصر سنة ست وتسعين خاف على مصر شيعة أبيه فأخرجه سنة ثمان وتسعين إلى دمشق‏.‏ ثم نقله في هذه السنة إلى الرها ومعه أخواته وأمه وأهله فأقاموا بها والله أعلم‏.‏ واقعة الأشرف مع صاحب الموصل كانت الفتنة متصلة بين نور الدين أرسلان شاه صاحب الموصل وبين ابن عمه قطب الدين صاحب سنجار واستمال العادل بن أيوب قطب الدين فخطب له بأعماله‏.‏ وسار إليه نور الدين غيرة من ذلك فحاصر نصيبين في شعبان من سنة ستمائة‏.‏ وبعث قطب الدين يستمد الأشرف موسى بن العادل وهو بحران فسار إلى رأس عين لإمداده ومدافعة نور الدين عنه بعد أن اتفق على ذلك مع مظفر الدين صاحب إربل وصاحب جزيرة ابن عمر وصاحب كيفا وآمد‏.‏ ففارق نور الدين نصيبين وسار إليها الأشرف وجاءه أخوه نجم الدين صاحب ميافارقين وصاحب كيفا وصاحب الجزيرة وساروا جميعاً إلى بلد البقعا ونور الدين صاحب الموصل قد انصرف من تل أعفر وقد ملكها إلى كفر رمان معتزماً على مطاولتهم إلى أن يفترقوا‏.‏ ثم أغراه بعض مواليه كان بعثه عيناً عليهم فقللهم في عينه وحرضه على معاجلتهم باللقاء فسار إلى نوشرا ونزل قريباً منهم‏.‏ ثم ركب لقتالهم واقتتلوا فانهزم نور الدين ولحق بالموصل ونزل الأشرف وأصحابه كفر رمان وعاثوا في البلاد واكتسحوها‏.‏ وترددت الرسل بينهم في الصلح على أن يعيد نور الدين على قطب الدين قلعة تل أعفر التي أخذها له فتم ذلك سنة إحدى وستمائة وعاد إلى بلده والله تعالى أعلم‏.‏ وصول الإفرفج إلى الشام والصلح معهم ولما ملك الإفرنج القسطنطينية من يد الروم سنة إحدى وستمائة تكالبوا على البلاد ووصل جمع منهم إلى الشام وأرسلوا بعكا عازمين على ارتجاع القدس من المسلمين‏.‏ ثم ساروا في نواحي الأردن فاكتسحوها وكان العادل بدمشق استنفر العساكر من الشام ومصر وسار فنزل بالطور قريباً من عكا وساروا إلى كفر كنا فاستباحوه‏.‏ ثم انقضت وتراسلوا في المهادنة على أن ينزل لهم العادل عن كثير من مناصف الرملة وغيرها ويعطيهم وغيرها‏.‏ وتم ذلك بينهم وسار العادل إلى مصر فقصد الإفرنج حماة وقاتلهم صاحبها ناصر الدين محمد فهزموه وأقاموا أياماً عليها ثم رجعوا والله تعالى أعلم‏.‏

 غارة ابن ليون على أعمال حلب

قد تقدم لنا ذكر ابن ليون ملك الأرمن وصاحب الدروب فأغار سنة اثنتين وستمائة على أعمال حلب واكتسحها واتصل ذلك منه فجمع الظاهر غازي صاحب حلب ونزل على خمسة فراسخ من حلب وفي مقدمته ميمون القصري من موالي أبيه منسوباً إلى قصر الخلفاء بمصر ومنه كان أبوه‏.‏ وكان الطريق إلى بلاد الأرمن متعذراً من حلب لتوعر الجبال وصعوبة المضايق وكان ابن ليون قد نزل في طرف بلاده لما يلي حلب ومن ثغورها قلعة دربساك فخشي الظاهر عليها منه وبعث إليها مدداً وأمر ميمون القصري أن يشيعه بطائفة من عسكره ففعل وبقي في خف من الجند‏.‏ ووصل خبره إلى ابن ليون فكبس القصري ونال منه ومن المسلمين وانهزموا أمامه فظفر بمخلفهم ورجع فلقي في طريقه المدد الذي بعث إلى دربساك فهزمهم وظفر بما كان معهم وعاد الأرمن إلى بلادهم فاعتصموا بحصونهم والله تعالى أعلم‏.‏

  استيلاء نجم الدين بن العادل على خلاط

كان العادل قد استولى على ميافارقين وأنزل بها ابنه الأوحد نجم الدين‏.‏ ثم استولى نجم الدين على حصون من أعمال خلاط وزحف إليها سنة ثلاث وستمائة وقد استولى عليها بليان مولى شاهرين فقاتلة وهزمه وعاد إلى ميافارقين فهزمهم‏.‏ ثم دخلت سنة أربع وستمائة‏.‏ وملك مدينة سوس وغيرها وأمده أبوه العادل بالعساكر فقصد خلاط وسار إليه بليان فهزمه نجم الدين وحاصره بخلاط‏.‏ وبعث بليان إلى مغيث الدين طغرل بن قليج أرسلان صاحب أرزن الروم يستنجده فجاء في عساكره واجتمع مع بليان وانهزم نجم الدين ونزلا على مدينة تلبوس فحاصراها‏.‏ ثم غدر طغرل شاه ببليان وقتله وسار إلى خلاط ليملكها فطرده أهلها فسار إلى ملازكرد فامتنعت عليه فعاد إلى بلاده‏.‏ وأرسل أهل خلاط إلى نجم الدين فملكوه خلاط وأعمالها وخافه الملوك المجاورون له وملك الكرك وتابعوا الغارات على بلاده فلم يخرج إليهم خشية على خلاط‏.‏ واعتزل جماعة من عسكر خلاط فاستولوا على حصن وإن من أعظم الحصون وأمنعها فعصوا على نجم الدين واجتمع إليهم جمع كثير وملكوا مدينة أرجيش واستمد نجم الدين على خلاط وأعمالها وعاد أخوه الأشرف إلى أعماله بحران والرها‏.‏ ثم سار الأوحد نجم الدين إلى ملازكرد ليرتب أحوالها فوثب أهل خلاط على عسكره فأخرجوهم وحصروا أصحابه بالقلعة ونادوا بشعار بني شاهرين‏.‏ وعاد نجم الدين إليهم وقد وافاه عسكر من الجزيرة فقوي بهم وحاصر خلاط واختلف أهلها فملكها واستلحم أهلها وحبس كثيراً من أعيانها كانوا فارين وذل أهل خلاط لبني أيوب بعد هذه الوقعة إلى آخر الدولة والله تعالى أعلم‏.‏

 غارات الإفرنج بالشام

كان الإفرنج بالشام قد أكثروا الغارات سنة أربع وستمائة بحشد ثان ثم ملكوا القسطنطينية واستفحل ملكهم فيها فأغار أهل طرابلس وحصن الأكراد منهم على حمص وأعمالها‏.‏ وعجز صاحبها شيركوه بن محمد بن شيركوه عن دفاعهم واستنجد عليهم فأنجده الظاهر صاحب حلب بعسكر أقاموا عنده للمدافعة عنه‏.‏ وأغار أهل قبرص في ر على أسطول مصر فظفروا منه بعدة قطع وأسروا من وجدوا فيها وتعث العادل إلى صاحب عكا يحتج عليه بالصلح فاعتذر بأن أهل قبرص في طاعة الإفرنج الذين بالقسطنطينية وأنه لا حكم له عليهم فخرج العادل في العساكر إلى عكا حتى صالحه صاحبها على إطلاق أسرى من المسلمين‏.‏ ثم سار إلى حمص ونازل القلعتين عند بحيرة قدس ففتحه وأطلق صاحبه وغنم ما فيه وخربه وتقدم إلى طرابلس فاكتسح نواحيها اثني عشر يوماً وعاد إلى بحيرة قدس‏.‏ وراسله الإفرنج في الصلح فلم يجبهم وأظله الشتاء فأذن لعساكر الجزيرة في العود إلى بلادهم وترك عند صاحب حمص عسكراً أنجده بهم وعاد إلى دمشق فشتى بها والله أعلم‏.‏ غارات الكرج على خلاط وأعمالها وملكهم أرجيش ولما ملك الأوحد نجم الدين خلاط كما مر ردد الكرج الغارات على أعمالها وعاثوا فيها ثم ساروا سنة خمس وستمائة إلى مدينة أرجيش فحاصروها وملكوها عنوة واستباحوها وخربوها‏.‏ وخام نجم الدين عن لقائهم ومدافعتهم إلى أن انتقض عليه أهل خلاط لما فارقها ووقع بينه وبينهم ما مر‏.‏ ثم سار الكرج سنة تسع إلى خلاط وحاصروها وحاربهم الأوحد وهزمهم وأسر ملكهم ثم فاداه بمائة ألف دينار وخمسة آلاف أسير وعلى الهدنة مع المسلمين وأن يزوج بنته من الأوحد فانعقد ذلك والله تعالى أعلم بغيبه‏.‏

  استيلاء العادل على الخابور ونصيبين من عمل سنجار وحصارها

قد تقدم لنا أن قطب الدين زنكي بن محمود بن مودود صاحب سنجار والخابور ونصيبين وما إليها كانت بينه وبين ابن عمه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود صاحب الموصل عداوة مستحكمة وفتنة متصلة وزوج نور الدين صاحب الموصل بنته من ابن العادل بن أيوب سنة خمس وستمائة‏.‏ واتصل بهما لذلك فزين له وزراؤه وأهل دولته أن يستنجد بالعادل على جزيرة ابن عمر وأعمالها التي لابن عمه سنجار شاه ابن غازي ابن مودود فتكون الجزيرة بكمالها مضافة إلى الموصل‏.‏ وملك العادل سنجار وما إليها وهي ولاية قطب الدين فتكون له فأجاب العادل إلى ذلك ورآه ذريعة إلى ملك الموصل‏.‏ وأطمع نور الدين في إيالة قطب الدين إذا ملكها تكون لابنه الذي هو صهره على ابنته وتكون عنده بالموصل‏.‏ وسار العادل بعساكره سنة ست وستمائة وقصد الخابور فملكه فتبين لنور الدين صاحب الموصل حينئذ أنه لا مانع منه وندم على ما فرط في رأيه من وفادته ورجع إلى الاستعداد للحصار‏.‏ وخوفه الوزراء والحاشية أن ينتقض على العادل فيبدأ به‏.‏ وسار العادل من الخابور إلى نصيبين فملكها وقام بمدافعته عن قطب الدين وحماية البلد من الأمير أحمد بن برتقش مولى أبيه‏.‏ وشرع نور الدين صاحب سنجار ابنه مظفر الدين يستشفع به إلى العادل لمكانه منه وأثره في موالاته فشفع ولم يشفعه العادل فراسل نور الدين صاحب الموصل في الاتفاق على العادل فأجابه‏.‏ وسار بعساكره من الموصل واجتمع مع نور الدين بظاهرها واستنجد بصاحب حلب الظاهر وصاحب بلاد الروم كنخسرو وتداعوا على الحركة إلى بلاد العادل إن امتنع من الصلح والإبقاء على صاحب سنجار وبعثوا إلى الخليفة الناصر أن يأمر العادل فبعث إليه أستاذ داره أبا نصر هبة الله بن المبارك بن الضحاك والأمير أقباش من خواص مواليه فأجاب إلى ذلك‏.‏ ثم غالطهم وذهب إلى المطاولة ثم صالحهم على سنجار فقط وله ما أخذ وتحالفوا على ذلك وعاد كل إلى بلده‏.‏ ثم قبض المعظم عيسى سنة عشر وستمائة على الأمير أسامة بأمر أبيه العادل وأخذ منه حصن كوكب وعجلون وكانا من أعماله فخربهما وحصن أردن بالكوكب وبنى مكانه

 وفاة الظاهر صاحب حلب وولاية ابنه العزيز

لما توفي الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين بن أيوب صاحب حلب ومنبج وغيرهما من بلاد الشام في جمادى الأخيرة سنة ثلاث عشرة وكان مرهف الحد ضابطاً جماعة للأموال شديد الانتقام محسناً للقضاة وعهد بالملك لابنه الصغير محمد بن الظاهر وهو ابن ثلاث سنين وعدل عن الكبير لأن أمه بنت عمه العادل ولقبه العزيز غياث الدين وجعل أتابكه وكافله وخادمه طغرلبك ولقبه شهاب الدين‏.‏ وكان خيراً صاحب إحسان ومعروف فأحسن كفالة الولد وعدل في سيرته وضبط الإيالة بجميل نظره والله أعلم‏.‏

 ولاية مسعود بن الكامل على اليمن

ولما ملك سليمان بن المظفر على اليمن سنة تسع وتسعين وخمسمائة أساء إلى زوجته أم الناصر التي ملكته وضارها وأعرض عنها واستبد بملكه وملأ الدنيا ظلماً‏.‏ وأقام على ذلك ثلاث عشرة سنة‏.‏ ثم انتقض على العادل وأساء معاملته وكتب إلى بعض الأحيان إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتب العادل إلى ابنه الكامل أن يبعث العساكر إلى اليمن مع وال من قبله فبعث ابنه المسعود يوسف واسمه بالتركي أقسنس في العساكر سنة اثنتي عشرة وستمائة فملك اليمن وقبض على سليمان شاه وبعث به معتقلاً إلى وطالت أيام مسعود باليمن وحج سنة تسع عشرة وقدم أعلام أبيه على أعلام أبيه على أعلام الخليفة الناصر فكتب الناصر يشكوه إلى أبيه فكتب إليه أبوه الكامل برئت من العادل يا أخس إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قوة إلا بالله فاستعتب إلى أبيه وأعتبه‏.‏ ثم غلب سنة ست وعشرين على مكة من يد الحسن بن قتادة سيد بني إدريس بن مطاعن من بني حسن وولى عليها وعاد إلى اليمن فهلك بقية السنة وغلب على أمر اليمن بعده علي بن رسول أستاذ داره ونصب للملك ابنه الأشرف موسى وكفله ثم هلك موسى واستبد ابن رسول باليمن وأورثه بنيه فكانت لهم دولة اتصلت لهذا العهد كما نذكره في أخبارها إن شاء الله تعالى‏.‏ وصول الإفرنج من وراء البحر إلى سواحل الشام ومسيرهم إلى دمياط وحصارها واستيلاؤهم عليها كان صاحب رومة أعظم ملوك الإفرنج بالعدوة الشمالية من البحر الرومي وكانوا كلهم يدينون بطاعته وبلغة اختلاف أحوال الإفرنج بساحل الشام وظهور المسلمين عليهم فانتدب إلى إمدادهم وجهز إليهم العساكر فامتثلوا أمره من إيالته‏.‏ وتقدم إلى ملوك الإفرنج أن يسيروا بأنفسهم أو يرسلوا العساكر فامتثلوا أمره وتوافت الأمداد إلى عكا من سواحل الشام سنة أربع عشرة‏.‏ وسار العادل من مصر إلى الرملة وبرز الإفرنج من عكا ليصدوه فسار إلى نابلس يسابقهم إلى أطراف البلاد ويدافعهم عنها فسبقوه‏.‏ ونزل هو على بيسان من الأردن وزحف الإفرنج لحربه في شعبان من السنة وكان في خف من العساكر فخام عن لقائهم‏.‏ ورجع إلى دمشق ونزل مرج الصفر‏.‏ واستدعى العساكر ليجمعها وانتهب الفرنج مخلفه في بيسان واكتسحوا ما بينها وبين بانياس‏.‏ ونزلوا بانياس ثلاثاً ثم عادوا إلى مرج عكا بعد أن خربوا تلك الأعمال وامتلأت أيديهم من نهبها وسباياها‏.‏ ثم ساروا إلى صور ونهبوا صيدا والشقيف على فرسخين من بانياس وعادوا إلى عكا بعد عيد الفطر‏.‏ ثم حاصروا حصن الطور على جبل قريب من عكا كان العادل اختطها فحاصروها سبعة عشر يوماً وقتل عليها بعض ملوكهم فرجعوا عنها‏.‏ وبعث العادل ابنه المعظم عيسى إلى حصن الطور فخربها لئلا يملكها الإفرنج‏.‏ ثم سار الإفرنج من عكا في البحر إلى دمياط وأرسوا بسواحلها في صفر والنيل بينهم وبينها‏.‏ وكان على النيل برج حصين تمر منه إلى سور دمياط سلاسل من حديد محكمه تمنع السفن من البحر الملح أن تصعد في النيل إلى مصر‏.‏ فلما نزل الإفرنج بذلك الساحل خندقوا عليهم وبنوا سواراً بينهم وبين الخندق وشرعوا في حصار دمياط واستكثروا من آلات الحصار‏.‏ وبعث العادل إلى ابنه الكامل بمصر أن يخرج في العساكر ويقف قبالتهم ففعل وخرج من مصر في عساكر المسلمين فنزل قريباً من دمياط بالعادلية‏.‏ وألح الإفرنج على قتال ذلك البرج أربعة أشهر حتى ملكوه ووجدوا السبيل إلى دخول النيل ليتمكنوا من النزول على دمياط فبني الكامل عوض السلاسل جسراً عظيماً يمانع الداخلين إلى النيل فقاتلوا عليه قتالاً شديداً حتى قطعوه‏.‏ فأمر الكامل بمراكب مملوءة بالحجارة وخرقوها وراء الجسر تمنع المراكب من الدخول إلى النيل فعدل الإفرنج إلى خليج الأزرق‏.‏ وكان النيل يجري فيه قديماً فحفروه فوق الجسر وأجروا فيه الماء إلى البحر وأصعدوا مراكبهم إلى قبالة معسكر المسلمين ليتمكنوا من قتالهم لأن دمياط كانت حاجزة بينهم فاقتتلوا معهم وهم في مراكبهم فلم يظفروا‏.‏ والميرة والإمداد متصلة إلى دمياط والنيل حاجز بينهم وبين الإفرنج فلا يحصل لهم من الحصار ضيق‏.‏ ثم بلغ الخبر بموت العادل فاختلف العسكر وسعى مقدم الأمراء عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن المشطوب الهكاري في خلع الكامل وولاية أخيه الأصغر الفائز‏.‏ ونمي الخبر إلى الكامل فأسرى من ليلته إلى أشمون طناح وتفقده المسلمون من الغد فأجفلوا ولحقوا بالكامل وخلفوا سوادهم بما فيه فاستولى عليه الإفرنج وعبروا النيل إلى البر المتصل بدمياط وجالوا بينها وبين أرض مصر‏.‏ وفسدت السابلة بالأعراب وانقطعت الميرة عن دمياط واشتد الإفرنج في قتالها وهي في قلة من الحامية لإجفال المسلمين عنها بغتة‏.‏ ولما جهدهم الحصار وتعذر عليهم القوت استأمنوا إلى الإفرنج فملكوها آخر شعبان سنة ست عشرة وبنوا سراياهم فيما جاورها فأقفروا ورجعوا إلى عمارة دمياط وتحصينها وأقام الكامل قريباً منهم لحماية البلاد‏.‏ وبنى المنصورة بقرب مصر عند مفترق البحر من جهة دمياط والله تعالى أعلم‏.‏